shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
الاتحاد العربي وعالم الغد 
  إفتتاحيات مجلة المثقف العربي

  العدد رقم( 31)    صدر بتاريخ (2003)

هذا الكتاب قد استلب علىَّ وقتي خلال رحلتي إلى عاصمة الضباب لندن واستولى على أوقاتي وحجبني عن كل أصدقائي وأهم زياراتي، وهواياتي إلا من أمسية قصيرة عدت إثْرهَا لكتابي
المفكر الفرنسي ( إيمانويل تود ) الذي تنبأ بسقوط الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه بعِقدين، يقول في كتابه " ما بعد الإمبراطورية " إن أمريكا على طريق السقوط في الهاوية، وأن عالم الغد سيكون متعدد الأقطاب

ومما جعلني لا أشك في شيء مما ذهب إليه (إيمانويل تود) هو ربطه المنطقي بين أسباب السقوط المادية، والمعنوية في الماضي والحاضر، ومقارناته التي وصل بها إلى نتيجة حتمية هي أن عالم الغد متعدد الأقطاب، ولابد من انحسار القطب الواحد وفقا لسنن كونية، وأسباب مادية منطقية استطرد في سردها في كتابه، لكن المؤسف في الأمر أن عالمنا العربي الذبيح بكلا الخنجرين والضحية الرئيسية للقطبين لن يكون - كما ذكر إيمانويل ـ قطبا مستقلا من أقطاب المستقبل، لأنه وطن كبير ممزق الأجزاء متعدد الأطماع ، يجثم على نحره عدد من الأنظمة السياسية ذات الأنماط المتباينة، والثقافات المختلفة والأطماع المحلية والدولية، ولا وجود لبارقة أمل تلوح في سماء الواقع العربي لوحدة فيدرالية بين الدول العربية حتى يصبح الوطن العربي يعادل مساحة وسكانا ثروات الولايات المتحدة الأمريكية أو دول الاتحاد الأوروبي

ولكن الذي قد يكون ممكنا على المدى القريب وقد نراه يتحقق قبل أن نرحل إلى بطن الأرض إن طال بنا العمر ، هو اتحاد عربي يقترب إلى حد كبير من النظام الكونفدرالي ويحفظ لكل قطر حدوده ونظامه وأحكامه، ولكن ذلك الاتحاد سيمثل خطوة إيجابية متقدمة على رحلة الاتحاد العربي الفيدرالي المنشود وذلك الاتحاد الذي يأتي مضمونه وفقا لما تقدمت به الجمهورية اليمنية إلى مجلس الجامعة العربية في مشروع يعيد ترتيب وضعها وهياكلها القائمة، إذا ما حظى بالقبول والتأييد من الدول العربية، وإذا ما أضيفت إليه نصوص ملزمة ومتطورة على سبيل توحيد الجنسية القومية العربية وحرية التنقل والتجارة والقضاء، فقد يعيد الأمل للشارع العربي في كل الأقطار ليحلم غدا بوحدة فيدرالية وقوة اقتصادية، وهناك سيكون الوقت قد حان لتكتب شهادة الميلاد للأمة العربية في القرن الواحد والعشرين

وفي خمسينيات القرن الميلادي العشرين وفي زخم المد الثوري العربي، كان وعي الشعوب أقل مما هو عليه اليوم، بل كانت معظم الأقطار العربية تحت حكم الانتداب البريطاني أو الاحتلال الفرنسي، فكانت الأنظمة العربية القليلة التي نالت شعوبها الاستقلال أو سلمت من مصيبة الاحتلال قد تحملت مسئولية الوعي، وخطت نحو الطريق الصحيح الذي يجب على أي زعيم أن يخطوه، فبدأت الدعوات ترتفع لإنشاء اتحاد عربي يعيد للأمة العربية حلمها الكبير وأملها المنشود من وحدة عربية على شكل اتحاد إقليمي يمنح الأمة العربية حق الاتحاد القومي، ويحفظ لكل قطر خصوصيته، ولكن العائق الأكبر والعقبة الكؤود تتمثل في وجود معظم أرجاء الوطن العربي تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، وجيوشه تملأ القاع والبقاع.
لكن الذي حدث بعد ذلك التوجه النبيل هو العودة إلى الارتكاس والانتكاس الفكري القومي العروبي لأسباب عدة ومسببات كثيرة، ويأتي في طليعة تلك الأسباب والمسببات الانشاقاقات الأيديولوجية في التوجهات الفكرية للتيارات السياسية مسيطرة على القوة العسكرية في تلك الأقطار
وكانت تلك محنة أكثر شراً من سابقتها حيث كان كل نظام عربي ينشد الوحدة والاتحاد، ويدعو إليه ولكنه يعمل ضد قيامها، ويقتل كل محاولة صحيحة لاقتراب يومها
وتأتي دائما الاختلافات الأيديولوجية، وفي مقدمة كل الأسباب أن كل نظام يرى أن فكره وأيديولوجيته، وتجربته هي الأحق بالاتباع، بل تسببت تلك الأيديولوجيات المنحرفة إلى تصادم، ودعوة حرب ووسيلة تناحر بين قطر وآخر، ونظام وآخر

وبدأت الانشقاقات بإلغاء الوحدة بين مصر وسوريا، وإلغاء مشروع الاتحاد العربي، وفك اتفاقية الدفاع العربي المشترك بين كل من مصر والسعودية، والعراق واليمن، وعادت شعوبنا العربية القهقرى، وتهافتت قياداتها على تحالفات مع النظام الاشتراكي البائد من وحي الشيوعية السوفيتية الدموية، وآخرون لاذوا بالغرب، وناموا على أريكته، واقتنع كل نظام عربي بدخوله تحت الحماية الوهمية للشرق والغرب، واكتفت كل الأنظمة بالدعوة الفارغة من المضمون إلى وحدة الأمة العربية، والدفاع عنها وفي ظل تلك العقود السوداء من النصف الثاني من القرن العشرين تمكن كل الطامعين من الاستيلاء والسيطرة على الدول العربية المتناحرة،وحقق الطامعون كل ما يرجونه من الاستيلاء علـى البحار والجزر وبعض الأرض، وتمكنت إسرائيل من تحقيق الانتصارات المتتالية ضد العرب، واستولت على فلسطين بكاملها، وأجزاء هامة من الدول المجاورة، وتوالت الهزائم، وطالت رحلة الضياع حتى هوى أحد القطبين وهو الاتحاد السوفيتي السابق، نعم هوى، ويداه ورجلاه في بحيرة من الدماء والقهر والظلم، لا نيلا من عدوه اللدود القطب الخصم والند الأكبر، ولكن من دماء الضعفاء والأبرياء والمغفلين من الشعوب العربية والإسلامية والبلقانية المجاورة له أو المتحالفة معه

لقد سقطت بسقوطه رموز هامة من العائقين لحركة الوحدة والاتحاد العربي، وتواروا خلف أقنعة جديدة لكنها لم تكن قادرة على ستر بشاعة وجوههم الفكرية الكالحة، وأيديولوجيتهم الماركسية الشيوعية، فتعاقبت عليهم الثورات وهاجت ضدهم النكبات حتى أصبحوا أثرا بعد عين على ا لمستوى السياسي
لكنهم ظلوا في أكواخ الفكر التنظيري يكتبون ويحنون لماضيهم الفاشل، ويدافعون على غير استحياء عن تجربة مريرة وعن فكر فاشل وعن صنم هوى حطامه
وتلقف القطب الثاني وهو الرأسمالي الغربي، وخاصة الأمريكي ذلك السقوط بأغاريد الشماتة والازدراء، وذهب يسير على نفس الخطى التي سار عليها الاتحاد السوفيتي بلا هدف آخر، أو قضية أخرى، فكانت نفس الشعوب العربية ونفس الشعوب الإسلامية هي الضحية المكررة عسكريا للقطبين العظيمين في وجه الأرض
ولم تختلف أسلوبية القطب الثاني العالمي عن أسلوب القطب الراحل، بل ازدادت ضراوة الدمار، والظلم والبطش وغابت عن تلك القوة العظمى كل قيم الحوار والرفق بالإنسان والحيوان، وها هي تغتسل صباح مساء بتلك الدماء المظلومة ذاتها التي كانت قد سالت في اجتياح إمبراطورية الماركسية وأذيالها من أرجاء الأرض

ومهما طال الأمد فإن عواقب الظلام وخيمة، ويقين كل عاقل أن يوم المظلوم أشد على الظالم من يوم الظالم على المظلوم، وها نحن نرى أن قوة الضغط العنيد، والبطش الأهوج قد بدأت تعيد للمفكرين الغربيين الذين تنبأوا برحيل الاتحاد السوفيتي قبل رحيله بعقدين من الزمن وصدقوا في نبوءتهم، أن تعيد لأذهانهم فرصة التنبؤ من جديد برحيل الهيمنة الأمريكية، شاءت أم أبت، وذلك يأتي لا بسبب هزيمة عسكرية، فالسوفيتي رحل عن الدنيا دون هزيمة عسكرية، ولكن بسبب الظلم الذي لا يختلف أحد على أثره وقدرته الجبارة على الإطاحة عبر الزمن بكل من طغى وظلم

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com